شكّل قرار لجنة الطوارئ للجامعة الدولية لكرة القدم/الفيفا المتخذ والمعلن عنه يوم الخميس 15 نونبر 2013 بعدم الاعتراف بالانتخابات التي أجرتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم يوم 10 نونبر 2013، مفاجأة غير سارة لعموم الرسميين المغاربة من المعنيين بالشأن الكروي ببلادنا، بعد الخروج « المبهر » لممثلي الكرة المغربية من جمع 10 نونبر بما اعتبروه انتصارا للديمقراطية المغربية التي لم يتحقق منها غير الإسم، وهي التي تم ذبحها باسم التوافق على الإلحاق الجزئي للائحة المحظية لعناصر من اللائحة الأقل حظوة، والذي أفقد كل المساطر قوتها وأهمل التنافسية على برامج ملتزم بها ومحاسب عليها، مما يؤكد أن موعد بناء الرياضة المغربية بعامة وكرة القدم بخاصة ما زال خارج البرنامج الحكومي وأبعد ما يكون عن تنزيل الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة لسنة 2008، بعدما استمر الجهاز التنفيذي المخول صلاحية وسلطة تفعيلها التحليق في غير اتجاه بوصلة العمل، وهذا موضوع آخر قد يحين أوان التطرق له…
لا علينا، فَالٌهمُّ الذي شكله قرار الفيفا وَضَع المسؤولين الكرويين المحليين في حيص بيص، حتى ولو وجدوا مخرجا مع « الأمبراطورة الفيفا »، وقبل مناقشة ذلك، لنستحضر أن القرار تم بسبب ما اعتبرته الأخيرة « عدم احترام ج م م ك ق لتوجيهات الفيفا (البند 13) من النظام الأساسي للأخيرة، بعدما كانت قد طلبت من ج م م ك ق اعتماد نظام أساسي ملائم للنظام الأساسي النموذجي للفيفا قبل تنظيم انتخابات جديدة خلال الأسدس الأول من سنة 2014، لتقرر الفيفا بأنه في انتظار ذلك، فإن المكتب الجامعي المغادر سيكون مكلفا بتسيير ج م م ك ق، ليختتم البلاغ بالتذكير بأن هذا القرار لن يكون له تأثير على تنظيم كأس العالم للأندية بالمغرب من 11 إلى 21 دجنبر 2013 ».
هل قرار الفيفا سليم؟
تبدو لي منظمة الفيفا كسلطة قهرية يقوم بها أشخاص لهم قوة استمدوها من تأثير مئات ملايين المهووسين بالكرة في العالم وعشرات الأنظمة المراهنة على « تحضر كروي » يقولب مجتمعاتها ويوجهها في السياقات المحددة لها، وتعاون لوبيات متاجرة عبر الاستثمار الكروي والسمسرة في اللاعبين والأحداث الكروية وإعلام منغمس حتى النخاع في أخبار الكرة إلى أبسط تفاصيلها المملة… ما يجعل هذه السلطة تصنع من الفيفا « غولا » قادرا على تحدي ومواجهة أقوى الأنظمة في العالم، فأحرى أن يتعلق الأمر ببلد نام ينتظر الكثير من الفيفا لتلبية مشاريعه في ما يخطط له من احتراف كروي وتنظيم لمنافسات دولية على طريق حلم استقبال كأس العالم لسنة 2026 أو ربما 2042، حسب منطق التناوب القاري الذي حددته الفيفا، إن لم تنقضه ذات دورة قادمة.
أولا- البعد الانتقامي في القرار: اختتم الجمع العام الانتخابي للجامعة الملكية المغربية أشغاله صباح الإثنين 11 نونبر 2013 بالإعلان عن فوزي لقجع رئيسا للجامعة (2013/2016)، واتخذت لجنة الطوارئ للفيفا قرارها بتاريخ 15 نونبر 2013 وأعلنته زوال نفس اليوم على موقعها الإلكتروني، فهل هي فعالية إدارية بريئة أم إن الفيفا قد توقعت « إهمال » أهل الكرة المغربية لتنبيهاتها السابقة ورفضت أن تتقبل هذا الإهمال الذي قد يؤخذ على أنه تحد لهيبتها؟ إن سرعة اتخاذ القرار وطريقة إعلانه ليس لهما سوى تفسير واحد: الرد القوي على إهمال غير مسموح به قد يضع هيبة الفيفا موضع تشكيك، وما يدعم هذا التأويل هو كون الفيفا قد راسلت ج م م ك ق في نهاية أكتوبر الماضي تقترح تأخير عقد الجمع العام إلى ما بعد نهاية كأس العالم، ليس من أجل ملاءمة نظامها الأساسي ولكن لـ « كون المكتب الجامعي الحالي هو من تتبع كل خطوات التنظيم وهو القادر على انجاحه عكس المكتب الجامعي الجديد الذي يحتاج الى الوقت للاستئناس بشروط العمل.
ثانيا- قرار الفيفا غير ملائم لموضوعه: لقد اعتبرت الفيفا أن ج م م ك ق لم تلائم بعد نظامها الأساسي مع النظام الأساسي النموذجي للفيفا، دون تحديد ماهي البنود غير الملائمة، حتى تمكن الاستجابة السريعة بتحقيق الملاءمة دون الوصول إلى حد إلغاء جمع عام كل ذنبه، بالنسبة للفيفا، أنه انعقد قبل ما سمته الملاءمة المعلومة… مع العلم أن مبادرة الفيفا كان يجب أن يستفزها عقد الجمع العام الاستثنائي المصادق على النظام الأساسي الملائم للقانون 30/09 والذي أعلن أن هذا النظام الجديد يلائم أيضا النظام الأساسي للفيفا. وإذن فلا علاقة قانونية بين الجمع العام الانتخابي وبين قرار الفيفا، خصوصا وأن الخلاف حول أصوات الأندية لم يكن فعالا مادام التصويت تم بالإجماع، وإلا فقد كان على الفيفا أن تلغي كل الجمع العام، بما في ذلك التصويت على التقريرين الأدبي (الهش) والمالي (المكلف)، مع ما يعنيه ذلك من أسئلة حرجة…
ثالثا- قرار الفيفا مشوب بالشطط في استعمال السلطة: لا يجوز لأي قرار أن يكون ضمنيا وغير معلل سواء كان إداريا أو تأديبيا أو قضائيا، وعليه، فإن صح موقف الفيفا، فيجب أن ينصب على شرعية الجمع العام وليس فقط على أحد فروعه وهو الانتخابات، وهذا الخلط هو ما أوقع قرار الفيفا في ارتباك واضح، فعوض التصريح بإلغاء الجمع العام جملة وتفصيلا مادام لم ينعقد استنادا على نظام أساسي ملائم لنظامها الأساسي النموذجي حسب ادعائها (مع ضرورة تعليل القرار بتحديد بنود الخلاف الداعية للقرار) لأن ما بني على باطل فهو باطل، فقد اختارت الفيفا صيغة « ترقيعية » ذات بعد مستقبلي يقفز على الأحداث حين قررت « فإن المكتب الجامعي المغادر سيكون (لاحظ الصيغة المستقبلية سيكون) مكلفا بتسيير ج م م ك ق »، فقد كان الأسلم (مع التحفظ على الأسباب طبعا) أن تقول مثلا « في انتظار ذلك، تعتبر الفيفا الجمع باطلا (أو انتخاباته) وبذلك يستمر المكتب الجامعي المغادر في مهامه… »
رابعا- هل يمكن لاختلاف بند تنظيمي أن يكون سببا في إلغاء نتائج جمع عام؟ يتعلق الأمر بالفصل 13 المتعلق في أحد بنوده بالأصوات الممنوحة للأندية في جمع عام لجامعة وطنية لكرة القدم، حيث قررت الفيفا صوتا واحدا لكل ناد، على غرار ما يقع في الجمعية العمومية للفيفا، أي صوت واحد لكل جامعة وطنية، بما يساوي مثلا بين بلد كالجامعة الإنجليزية لكرة القدم الرائدة عالميا وأفقر جامعة… أعتقد، إن صح أن هذا هو الخلاف الوحيد بين النظامين، أنه سيكون من الفقر القانوني اعتباره سببا لإلغاء نتائج جمع عام، فالخلاف هنا تنظيمي وليس تقنيا، وأي قانون مهما كان « نموذجيا » لابد أن يترك مجال للخصوصية المحلية، بدليل أن ج م م ك ق قد سبق أن جربت صيغة ناد واحد = صوت واحد، التي أثبتت فشلها، لكونها تعطي قوة مادية للأندية الفقيرة ذات الأغلبية العددية التي تفرض توجهاتها محدودة الأفق على الجمع العام، وجاء النظام الأساسي النموذجي للجامعات الرياضية المغربية لكي يمنح الأندية القوية فرصة أكبر لفرض توجهاتها ورفع مستوى المشاريع والبرامج ولو نسبيا، وإن كان غياب المحاسبة في الرياضة المغربية هو أكبر عنصر غائب في معادلة التسيير الناجح للرياضة المغربية.
ماذا بعد قرار الفيفا؟
من الأكيد أن الاتجاه الغالب في التعاطي مع قرار الفيفا هو الانحناء حتى تمر العاصفة، أي مسايرة القرار بإعادة عقارب ساعة الجامعة خمسة أيام إلى الوراء، ومحو حدث 10 نونبر الذي استقبله قصر المؤتمرات بالصخيرات، واستعادة علي الفاسي الفهري دفة قيادة الجامعة لبضعة اشهر أخرى، خلالها سيدعو لجمع عام استثنائي « يلائم » نظام الجامعة بنظام الفيفا النموذجي، وبعده لجمع عام عادي انتخابي.
لكن هذا السيناريو السطحي، إن كان سينفع مع الفيفا التي ستكون قد حققت نرجسيتها وأعطت بهذا المثال درسا جديدا بما تمثله من قوة وجبروت في العالم، فإنه سينتج عددا من الإخلالات القانونية بالنسبة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، من قبيل موقع الرئيس الملغاة ولايته فوزي لقجع من الإعراب، وعلاقة نجاحه السابق بالتوافق مع عبد الإله أكرم في أفق الجمع العام الانتخابي القادم، وعلاقة كل ذلك بحق كل مسير منخرط بالجامعة في الترشح للانتخابات القادمة، وهل سيتم التصويت على التقريرين الأدبي والمالي للفترة 2009/2014 من جديد أم فقط الفترة 2013/2014؟ وألن يرتفع مستوى التشويق مع سيناريو حصول محمد الكرتيلي على حكم قضائي نهائي بكونه الرئيس الشرعي لعصبة الغرب لكرة القدم وعودته البطولية إلى رحاب الجامعة التي لا يخفي حلمه برئاستها إلخ إلخ إلخ.
وفي انتظار أن تستفيق الإدارة المغربية (ومعها وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها) إلى خطورة ما تقوم به من تمييز يلعب أكبر دور سلبي في تنمية « غرور » أهل كرة القدم المغربية الذي يغذي بدوره غرور وشطط أهل الفيفا إلى جانب الجامعات الوطنية الكروية الأخرى، تمييز يسيء لباقي الرياضات ويعرقل حقها في التنمية من ناحية الدعم والإعلام بالدرجة الأولى، تمييز يقتل التنافسية بين الرياضات المغربية… فلا علاج لأمراض كرة القدم المغربية، سواء في ما يتعلق بالتدبير السطحي أو العنف أو الشغب … وما يكلف ذلك من ملايير المال العام، ولا أفق يظهر لاحتراف أو نهوض كروي أو تنمية رياضية من أصله.
(*) ناقد رياضي