فقد أبان المنتخب الزامبي عن مستوى عال وعن لعب جماعي لم يخف تماما المؤهلات التقنية الفردية للفريق الشاب المكون في أغلبيته الساحقة من لاعبين محليين، تحت إشراف ناخب هو الفرنسي هيرفي رونار الذي لا يتجاوز أجره الشهري 27 مليون سنتيم، أي حوالي واحد من عشرة مقارنة مع الناخب المغربي البلجيكي إيريك غيريتس.
لقد حكم الناخب البلجيكي غيريتس بخروج وإقصاء المنتخب المغربي منذ المباراة الثانية للدور الأول بعد هزيمته أمام المنتخب التونسي (2-1) والغابوني (3-2)، وهما المنتخبان المنتميان إلى بلدين لا يتجاوز مجموع سكانهما ثلث سكان المغرب، واللذان، بدورهما، لم يتجاوزا ربع نهاية البطولة الإفريقية، ومعناه أن هزيمتي المغرب، رغم كل شيء، تبقيان خفيفتين ما دامتا تمتا على يد منتخبين متوسطين في البطولة الإفريقية، وبمعنى آخر، فإن تونس والغابون اللذين أثبتا تفوقهما الواضح على المنتخب المغربي في أكثر من مناسبة، لا تتجاوز رتبتهما الإفريقية المرتبة 5 إلى 8، فماذا والحالة هذه عن « أسود » الأطلس؟ علما أن آخر ترتيب للمنتخب المغربي هو الرتبة العاشرة إفريقيا، وهي رتبة أكيد ستتراجع بأكثر من أربع درجات بعد « الاستحقاق » الإفريقي الأخير.
والآن، تعالوا نر مع بعضنا سر فوز المنتخب الزامبي لكرة القدم بكأس إفريقيا للأمم التي تم إهداؤها لأرواح أعضاء المنتخب الزامبي لسنة 1993 الذي سقطت به الطائرة المتوجهة إلى الغابون لإجراء إحدى مراحل إقصائيات كأس إفريقيا للأمم لسنة 1994، وتحقيق ما عجز عنه « أسود الأطلس » بناخبهم العالمي « أبو ثلاثة ملايير في السنة » وموزع الوعود بالكأس الإفريقية بشكل لا يخلو من استخفاف بالشعب المغربي، لدرجة أنه استكثر عليه أن يحتج على إقصاء منتخبه بذلك الشكل المذل، حين قال: « في المغرب يوجد 30 مليون مدرب »، وكأن شرح إقصاء المنتخب المغربي (المذل) حتى قبل إجراء المباراة الثالثة من الدور الأول للبطولة الإفريقية يحتاج شهادة « مدرب »…
يتعلق الأمر بواحد من أفقر 25 بلدا في العالم، نسبة التمدرس في زامبيا متواضعة رغم الجهود التي بذلتها الدولة خلال الثلث الأخير من القرن الماضي، بعدد سكان لا يتجاوز ثلث سكان المغرب (11 مليون نسمة)، ومتوسط حياة لا يتجاوز الأربعين سنة (إحصاء سنة 2004) ونسبة مرتفعة بالإصابة بالسيدا، خصوصا بين الشباب، واعتماد كبير على الفلاحة (الذرة والتبغ خصوصا) وتصدير النحاس وبعض المعادن الأخرى، وسياحة تقوم على المحميات الطبيعية وشلالات « فيكتوريا »…، وخصوصا وإن كانت نقطة الضوء الوحيدة التي تفسر إنجاز الفوز بالكأس الإفريقية ومما لا يتوفر كفاية لغير زامبيا على المستوى الإفريقي هو تجربتها الديمقراطية المتميزة والتي تسمح لتداول حقيقي على السلطة، وبالتالي بيئة سليمة لربط المسؤولية بالمحاسبة، وما يؤدي إليه ذلك من تصاعد في العطاء والنتائج، وذلك ما ينقص الأغلبية الساحقة من بلدان إفريقيا، علما أن كالوشا بواليا الشهير باعتباره لاعبا لكرة القدم هو رئيس الجامعة الزامبية للعبة، وهو الذي يعود له الفضل في تجديد التعاقد مع المدرب الفرنسي هيرفي رونار، بعد فسخ العقد الذي كان يجمع الجامعة الزامبية لكرة القدم مع الناخب الإيطالي الذي أهل المنتخب الزامبي لنهاية الكأس الإفريقية للأمم.
ففي الوقت الذي ما زالت أصوات مغربية تنادي بمزيد من الدعم المالي للأندية، وبعد الخمسة والعشرين مليار سنتيم سنويا التي ضاعفت ميزانية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فإن فوز المنتخب الزامبي بالكأس الإفريقية للأمم لكرة القدم هو أكبر دليل على أن المال لا يصنع الألقاب، فكرة القدم الإفريقية لا يعتقد أن تصل ميزانيتها 25 بالمائة في أحسن الأحوال من ميزانية الكرة المغربية، والفرق بين أجرة الناخب المغربي ونظيره الزامبي أكبر مثال، وحتى إن كان المال ضروريا إلا أنه ليس كل شيء، بل حتى ارتباطه بأسماء لاعبين بتقنيات فردية مجلوبين من خارج البيئة الكروية المغربية أعلن فشله أكثر من مرة، على وزن المثل الشائع: « إكليل الزهور المنمقة لا يصنع فصل الربيع »، هذا الأخير لا يمكن أن تصنعه سوى حديقة طبيعية من مختلف الزهور الناتجة عن تلاؤم بين البيئة العامة والشروط والمحددات الجينية لكل نبتة تشكل جزءا من فصل الربيع.
لست أدعو إلى الاستغناء عن اللاعبين المحترفين، ولكن لا يجوز لمنتخب أساسه لاعبون محترفون أن يكون قويا، لأن التلاحم والانسجام اللذين يصنعان قوة كل منتخب لا يتوفران هنا بسبب تشتت اللاعبين ضمن فرقهم في مختلف الدول، ولأن القيمة الحقيقية لكل لاعب منهم إنما استقاها الناخب من بيئة هذا اللاعب الحقيقية بناديه، وجلبه للمنتخب لا يمكن أن يعطي إلا نتائج جزئية، ولا يمكن أن تكون فعالة إلا في إطار مهمات فردية تتطلب كفاءات خاصة جدا، بينما المنتخب الوطني يجب أن يكون نتاج البطولة الوطنية، مهما كانت فقيرة، والبطولة الوطنية الزامبية الأفقر كثيرا ماديا وتجهيزيا مثال ساطع، وإلا فلا حاجة لهذه البطولة أصلا إن لم تكن أساس هيكل المنتخب الوطني ومحفزا للاعبين لتطوير عطاءاتهم للفت انتباه الناخب الوطني، ولا حاجة لمزيد من التفصيل احتراما لذكاء القارئ.
قد يقول قائل إنني لم آت بحل لأزمة كرة القدم المغربية، غير أنني حين شرحت أسرار المنتخب الزامبي المنتمي إلى بلد فقير تنخره الأمراض ويعوقه الفقر ويتقوى بديمقراطية متقدمة سمحت بتداول حقيقي على السلطة، بعدما عاقب الشعب الزامبي الأحزاب التي لم تلتزم بوعودها في محطات 2002 و2008 و2010، فكأنني قلت ما يكفي ..